تعكس نسب النجاح المتدنية لطلبة الصفوف المنتهية للدراسة الإعدادية في العراق ترديا واضحا في العملية التربوية والتعليمية. فقد بلغت في عام 2005 الدور الأول 31 % للفرع العلمي و37% للفرع الأدبي، فيما بلغت 36% للفرع العلمي و 45 % للفرع الأدبي عام 2007 مع وجود حالات غش تمكنت الجهات المختصة من تأشيرها وهو ما يؤكد وجود حالات غير مؤشرة لا يعرف عددها وهذا يعني أن هذه النسب لا تعكس المستوى الحقيقي وان النسب الحقيقية هي اقل من ذلك بكثير. وعلى الرغم من التقدم الحاصل في نسب النجاح بين عامي 2005 و 2007 إلا أن هذه الزيادات لا تؤشر تقدما حقيقيا في مستوى التعليم لاستمرار الأسباب التي تقف وراء هذا التردي في عملية التربية والتعليم. ومن أهم هذه الأسباب نذكر مايلي :-
1- تأثيرات الحروب التي بدأت في العراق منذ عام 1980 على الحالة النفسية والصحية للأجيال الجديدة وما صاحبها من حصار اقتصادي ورعب بسبب العنف والإنفجارات ولا سيما بعد عامي 1990 و2003 مما أدى إلى انخفاض كبير في درجات الذكاء والذاكرة لدى هذه الأجيال.
2- كثرة عدد المواد وضخامتها بما لا يتناسب وقدرات الطلبة الذهنية وحالتهم النفسية وهو ما يتطلب الإسراع في إلقائها على الطلبة لإكمالها قبل انتهاء السنة الدراسية نتيجة لضغط المشرفين التربويين تنفيذا لأوامر الوزارة التي يهمها ذلك أكثر من الاهتمام بمدى استيعاب وفهم المواضيع من قبل الطلبة ولا سيما في المراحل الدراسية المنتهية (السادس الابتدائي، الثالث المتوسط، السادس الاعدادي) فيمرون على الفصول مر الكرام دون أي فهم للمواضيع التي تتضمنها الكتب المدرسية فعلى سبيل المثال فان منهج اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي متكون من كتابين الأول نصوص وقواعد يتألف من 175 صفحة والثاني يتضمن قصة واحدة مؤلفة من 125 صفحة، ولا نعلم أي إنسان وضع هذا المنهج ؟ لأنه يبدو أن مؤلفي المناهج الدراسية يؤلفوها لأنفسهم لا لطلبة لا يبلغ مستواهم العلمي 10% من مستوى المؤلفين في أحسن الأحوال وطالما يرونها قليلة وبسيطة فان على الطالب أن يراها كذلك. كما يعتقدون أن الطالب ليس لديه طيلة العام الدراسي غير هذه المادة التي ألفوها.
3- تخلف آليات الامتحان وطول وصعوبة الأسئلة الإمتحانية وتركيزها على حفظ النصوص التي لا تتوفر ذاكرة مناسبة لدى الطلبة لحفظها دون التركيز على الأسئلة الفكرية التي تعتمد على الفهم وهو ما يتطلب وقتا يتعدى ضعف الوقت المقرر حاليا لحلها إضافة إلى قلة المرونة المتاحة للطالب في خيارات ترك الأسئلة الرئيسية والفرعية ما يوحي وكأن واضعي الأسئلة لديهم ثأرا ً مع الطلبة أو كأنهم ليسوا في العراق أو ليسوا عراقيين أو كأنهم لم يكونوا طلبة سابقا وهو ما يجعلهم أكثر دراية بظروف الطلبة فيأخذون ذلك بنظر الاعتبار عند وضع الأسئلة والتصحيح.
4- تخرج عدد كبير من المعلمين والمدرسين بعد التسعينات ممن عانوا من هذه التأثيرات فاجتازوا المراحل الدراسية دون إعداد جيد فكان مستوى أدائهم دون المستوى المطلوب وهو ما إنعكس سلبا على استيعاب الطلبة للدروس أيضا.
5- الزيادة الكبيرة في عدد المعلمين والمدرسين باختصاصات العلوم الإنسانية والنقص الكبير باختصاصات العلوم التطبيقية واللغة الإنكليزية لإقبال الطلبة على التقديم إلى كليات العلوم الإنسانية بسبب سهولة النجاح فيها على خلاف كليات العلوم التطبيقية مما اضطر الكثير من المدارس للجوء إلى التعاقد مع مدرسين تدفع أجورهم من قبل أولياء أمور الطلبة في ظل هذه البطالة الواسعة و قرارات "بر يمر" سيئة الصيت التي أدت إلى حرمان الكثير من العوائل من مصادر معيشتهم المشروعة وعدم إلغائها من قبل الحكومات اللاحقة برغم تعارض هذه القرارات مع مسؤوليات الحكومات الدستورية والأخلاقية.
6- هناك أسباب أخرى ساقها بعض أعضاء الهيئات التعليمية والتدريسية أنفسهم مثل عدم متابعة أولياء أمور الطلبة لأبنائهم وتدريسهم في البيوت ولا سيما بعد إنتشار وسائل التسلية واللهو الحديثة كالستلايت والانترنيت والموبايل وانشغالهم عن تهيئة دروسهم وإنجاز واجبا تهم البيتية. وهذا السبب لدينا تحفظ عليه لأنه ليس من واجبات أولياء الأمور القانونية متابعة الأبناء لأن التزاماتهم أخلاقية فقط وغير إلزامية لأنها تتبع ظروف ولي الأمر بينما التزام المدرسة قانوني وأخلاقي حيث يجب عليها إشعار ولي الأمر خطيا عند تدني مستوى ابنه العلمي أو ممارسته سلوكا خاطئا دون انتظار انعقاد مجالس الآباء والأمهات، إذ أن هناك أولياء أمور أميين أو منشغلين في توفير مستلزمات المعيشة للأسرة ولا يتسنى لهم متابعة وضع الأبناء العلمي دائما. كما إن التقنية الحديثة أمر واقع ليس بالا مكان تجنب أضرارها ولكن علينا أن نفكر كيف نقلل هذه الأضرار ونزيد المنافع من استخدامها.
7- عدم أداء بعض أعضاء الهيئات التعليمية والتدريسية لوا جباتهم على الوجه الأكمل أما بسبب الإهمال أو بسبب ضعف الشعور بالمسؤولية أو ضعف الإعداد والتأهيل وبالتالي ضعف الطرق المتبعة من قبلهم في التدريس.
8- سوء الأوضاع الأمنية والخدمات واشتراك أكثر من مدرسة في بناية واحدة وعدم توفر ابسط المستلزمات الإدارية والفنية والصحية في المدارس لدرجة إن بعضها لا يصلح أن يكون حتى حضيرة ً للبهائم.
9- النقص الحاد بالكتب والقرطاسيه وحدوث تغييرات على المناهج دون طبع عدد كافي لكافة الطلبة المعنيين بالأمر مما يربك استعداداتهم للامتحانات.
10- تمتع معظم المعلمات والمدرسات المتزوجات بإجازات الأمومة التي تمتد لسنة دراسية كاملة وقد تستمر هذه الحالات مع اللواتي تكون ولاداتهن متلاحقة سنويا مما يشكل مصدر إرباك وعدم استقرار للطلبة ولا سيما عندما تكون المعلمة والمدرسة الوحيدة بذلك الاختصاص في المدرسة.
11- تباين طرق التصحيح من قبل المعلمين والمدرسين فهناك من يعتمد على النتيجة النهائية للحل كما في المسائل الرياضية وهناك من يعتمد على طريقة الحل وآخرون على عدد الكلمات والأسطر.
12 – انخفاض مستوى الرواتب للمعلمين والمدرسين واعتماد معايير غير صحيحة وغير عادلة في تحديدها لان المعايير المعتمدة حاليا تأخذ بالاعتبار مدة الخدمة والتحصيل العلمي والحالة الزوجية وعدد الأبناء في حين أن الأجر يجب أن يتناسب مع الجهد المبذول من قبل الموظف والمشقة التي تقع عليه أثناء قيامه بواجباته، مثل التحصيل العلمي وعدد المحاضرات التي يلقيها في الشهر والاختصاص. لان هناك اختصاصات تتطلب جهد أكثر من غيرها لإيصال المعلومة للطالب.
13 – انعدام الثواب والعقاب والحوافز المادية والمعنوية.
14 – انعدام أو ندرة الدورات التطويرية للمعلمين والمدرسين داخل وخارج القطر واقتصارها على أساتذة الجامعات في حين أن الاهتمام الأكثر يجب أن ينصب على المرحلة الابتدائية لأنها هي الأساس ثم المتوسطة فالإعدادية وأخيرا الجامعة.
ولمعالجة هذه المشكلة الكبيرة نرتأي أن يبدأ العلاج كما يلي:-
أولا- إعادة النظر في جميع المناهج وإلغاء مالا حاجة لنا به وتعديل ما يجب تعديله وإختصار جميع المواد إلى (الربع)، وهو ما يتناسب مع الوقت المقرر خلال العام الدراسي والحالة النفسية الحالية للأجيال العراقية الجديدة ليتسنى للطلبة استيعاب وفهم الدروس والمواضيع لان فهم ربع المادة المقررة حاليا أفضل بكثير من بقاء الحجم المقرر حاليا دون فهم أي شيء منها كما يحصل الآن وترحيل ما يحذف منها إلى المرحلة الجامعية التي يعاني طلبتها من نفس المشاكل.
ثانيا- إلغاء الامتحانات لمواد العلوم الإنسانية التي تعتبر تثقيفية كالتاريخ والتربية والأدب والنقد الأدبي والبلاغة وعلم النفس والفلسفة وعلم الاجتماع وماشابه ذلك والتي تنسى بعد الخروج من قاعة الامتحان أو إبقاؤها على أن تعتمد نسبة عدد المحاضرات التي يحظرها الطالب إلى العدد الكلي لتحديد علاماته في تلك المادة مما يجعل الطالب أكثر تقبلا للمحاضرات واستيعابا وفهما لها وإبقاء الامتحانات لمواد العلوم التطبيقية فقط كالرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغات وما شابه ذلك مما يتيح تقسيم وقت الطالب بان تكون الفترة التي يقضيها في المدرسة للدراسة فيما يكون الوقت خارج المدرسة للراحة والتسلية وشحذ القدرات الذهنية بما في ذلك التمتع بالفضائيات والانترنيت والهواتف الجوالة داخل وخارج المنزل على عكس ما يجري الآن حيث أن وقت الطالب خارج المدرسة لا يكفي لتحضير أكثر من مادة واحدة.
ثالثا- وضع أسئلة بسيطة ومعقولة وفكرية والابتعاد عن الأسئلة التي تتطلب حفظ النصوص عن ظهر قلب ويجب أن تتضمن السماح للطالب بترك ربع عدد الأسئلة ونصف الفروع ضمن السؤال الواحد ما يجعل الوقت المقرر لحلها لا يتجاوز الساعة الواحدة لأقل الطلبة ذكاء.
رابعا- تبني مبدأ الثواب والعقاب مع المعلمين والمدرسين وهذا يتطلب جعل الامتحانات مركزية لجميع الصفوف الدراسية على وفق ما يجري للصفوف المنتهية لغرض تقييم أداء المعلمين والمدرسين من خلال تكريم من يحقق نسب نجاح عالية وعلامات مرتفعة للطلبة الذين يحاضرون لهم لتحفيزهم على تحسين ومضاعفة أدائهم بمبالغ كبيرة ومعاقبة المقصرين.
خامسا- أما في ما يتعلق بالرواتب فيجب إعادة النظر بها وان لا تستند معايير تحديدها على عدد سنوات الخدمة أو الحالة الزوجية وعدد الأبناء بل تعتمد معايير الشهادة الدراسية وعدد المحاضرات والاختصاص والمنصب وبعد المسافة بين البيت ومكان العمل والمخاطر الصحية والأمنية التي تواجه العاملين لكل حاله على حدة، فمثلا يكون الراتب للاختصاصات التي لا تتطلب جهدا كالرياضة والفنية الحد الأدنى من الراتب ولذوي اختصاصات العلوم الإنسانية الدرجة الثانية ولذوي اختصاصات العلوم التطبيقية واللغات العربية والأجنبية الحد الأعلى.
سادسا - بالا مكان استبدال الكثير من مواد العلوم الإنسانية بمادة تسمى (التربية العامة) تتضمن من التاريخ حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالنسبة للمسلمين مثلا وثقافات وطنية وقانونية وسياسية وصحية وأسرية ونفسية وأمنية وغيرها من المناهج الضرورية لخلق إنسان محصن عقائديا ووطنيا ونفسيا وصحيا.